وإذا كنا قد عرفنا ان التأويل يتعامل مع السياق، ويبحث عن الانسجام ويبحث عن المقاصد فاننا نجد في مفهوم الجاحظ للبيان ملامح لوجود هذه الامور، فيقول مثلاً عن مسألة الانسجام والسياقات: ((الا ترى ان الله (- سبحانه وتعالى -) لم يذكر في القرآن الجوع الا في موضع العقاب او في موضع الفقر المدقع والعجز الظاهر والناس لا يذكرون السغب ويذكرون الجوع في حال القدرة والسلامة وكذلك ذكر المطر لانك لا تجد القرآن يلفظ به الا في موضع الانتقام، والعامة واكثر الخاصة لا يفصلون بين ذ كر المطر وذكر الغيث .. )) (¬1)، فربط الموضوع بالسياق العام، او المقام الذي يقال فيه من اهم اعمال المؤول. وعندما اشار الى انه:
(الكشف عن المعنى) كان يؤكد وجود معنى ((فإذا لم يكن معنى لم يكن بياناً، فالالفاظ بدون معان تبقى مهملة لا توصف لا بالفصاحة ولا بالبيان)) (¬2)، وفي تصنيفه للدلالات بقوله: ((وجميع اصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ خمسة اشياء لا تزيد ولا تنقص اولها اللفظ ثم الاشارة ثم العقد ثم الخط ثم الحال التي تسمى النصبة)) (¬3) فطرائق التعبير
عن المقاصد او توصيل المعنى، وتحقيق الاقناع متنوعة منها المباشر وغير المباشر. فالجاحظ يتحدث هنا عن مستويات في الافهام (متكلم، متلق)، فعملية التوصيل تتطلب
طاقة دلالية تحرك المعنى في اتجاه السطح والعمق، ولا نكاد نجد مفهوماً للبيان
عند البلاغيين اللاحقين للجاحظ بهذه السعة، فقد حاول البلاغيون (¬4) الوصول الى
تحديد معالم هذا الفن فحصروه في فنون من القول كالمجاز والاستعارة والكناية والتشبيه، وهي طرائق تعبير غير مباشرة عن المعنى، الا ان الواقع اللغوي يثبت ان قدرة اللغة
البيانية على فعل التواصل بين الذوات لا تقتصر على هذه الفنون البلاغية، فوظيفة البيان الافهامية تدور في اطار البحث عن كيفية التاثير في السامع، ولاسيما نحن نتحدث عن
البيان في النص القرآني واثره الخاص النابع من خصوصية مصدره فهو يتطلب أفقاً
غير اعتيادي للاستجابة المتكافئة والتاثير التام الذي يتجاوز قوة الاقناع، فيكشف
استعمال اللغة داخله اساليب وامكانيات في تصريف النص تبرز اهمية الايماء والاشارة والكناية، وغيرها بوصفها وسائل توظف فيها طاقة اللغة الايحائية وتستعيض فيها بالسياق والمقام عن
¬__________
(¬1) م. ن: 1/ 20.
(¬2) بنية العقل العربي، محمد عابد الجابري / 28.
(¬3) البيان والتبيين: 1/ 76.
(¬4) دلائل الاعجاز / ... ؛ و=: مفتاح العلوم / 70؛ الايضاح / 213؛ المطول / 40 - 41.
Post Top Ad
إعلانك هنا
الأربعاء، 17 فبراير 2021
الرئيسية
التفسير البياني للتراكيب القرآنية
11 التفسير البياني للتراكيب القرآنية ذوات الدلالات الاحتمالية الصفحة
11 التفسير البياني للتراكيب القرآنية ذوات الدلالات الاحتمالية الصفحة
التصنيف:
# التفسير البياني للتراكيب القرآنية
عن Qurankariim
التفسير البياني للتراكيب القرآنية
Marcadores:
التفسير البياني للتراكيب القرآنية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
أعلن هنا
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق