كيف يصح ذلك والجبال حائلة)) (¬1)؛ فتمنع بعض الناس من سماع النفخ في الصور،
وتخيل للبعض بحكم رجع الهواء الحامل للصوت انه آت من غير جهته فلا يستقيم القصد
الى الداعي (¬2) فيكون بذلك سؤالهم (سؤال تعنت لا استهداء ... )) (¬3) وسواء كان سؤالهم
سؤال استهداء أم استرشاد، فقد أنبأهم اللَّه تعالى بمصير الجبال؛ إبطالاً لشبهتهم
وتعليماً للمؤمنين؛ فجاء الجواب متصدراً بفعل الامر (قل) التي تحمل كثافة دلالية في
ثنائية (القائل والمقول له)، الذات الالهية والرسول (- صلى الله عليه وسلم -) لتؤدي دلالة التوكيد لفحوى القول ((فأكد بنسفها لاثبات انه حقيقة لا استعارة)) (¬4) ولتكتسب العبارة قوتها من قوله:
(ينسفها) لتقابل عندهم مركز القوة والثبات بأنها تفرق وتذروها الرياح فتصير مستوية كأنها
لم تكن بدلالة قوله: (لا ترى فيها عوجاً ولا امتاً) وفي قوله: (لا ترى فيها) تبرز دلالة النفي بـ (لا) الذي يؤذن امتداد لفظها بامتداد معناها (¬5)، والعرب تنفي بها ما كان ممكناً عند المخاطب مظنوناً انه سيكون (¬6)، ونلحظ ان ((الآيات الكريمة مع وصفها لما يصيب الجبال من التبدل المادي فإنها وصفت الاحباط والفشل الذي يواجه الكافرين حين يحشرون دون ان يفلت منهم احد وعندها يواجهون نتائج اعمالهم في الدنيا فتبدو لهم سراباً خادعاً)) (¬7)، هذا وقد
تناول محمود شلتوت خصوصية تصدر فعل (قل) في هذا الموضع بالذات بانه
((دل في هذا المقام على طلب سرعة الاجابة، أي اجب ولا تمهل حتى لا تذهب بهم
الشكوك في امر هو في اصول الدين وهو البعث وذلك كما في دلالة القاء على
التعقيب والمباشرة)) (¬8)، ويدخل فعل الامر (قل) بوصفه بناءً حوارياً مفتوحاً بين اللَّه
(- سبحانه وتعالى -) ورسوله (- صلى الله عليه وسلم -) في سياقات قصصية ليعلن بذلك انفتاح زمن الخطاب، وتواصل تأكيد قدرة اللَّه تعالى بامتداد الزمان والمكان. ففي سورة النمل وبينما النص القرآني يتوارد على ذكر قصص
¬__________
(¬1) التفسير الكبير: 22/ 106.
(¬2) =: نظم الدرر: 12/ 345.
(¬3) التحرير والتنوير: 16/ 306.
(¬4) م. ن: 16/ 307.
(¬5) ابن القيم وحسه البلاغي، عبد الفتاح لاشين /54.
(¬6) بدائع الفوائد: 1/ 97.
(¬7) المشاهد في القرآن الكريم /161.
(¬8) تفسير القرآن الكريم /545.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق