إن جميع مسؤوليات الأفراد تنطلق من قاعدة واحدة وهي: أن الإنسان يحمل أمانة في هذه الحياة الدنيا،
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: والأمير راع، والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» (متفق عليه) (النووي، 1986، 289، ص151).
إن جميع مسؤوليات الأفراد تنطلق من قاعدة واحدة وهي: أن الإنسان يحمل أمانة في هذه الحياة الدنيا، كما يقول الله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب 72]، وقد وهب الله سبحانه وتعالى الإنسان كل ما يلزمه لحمل هذه الأمانة، فتميز عن سائر المخلوقات بالسمع والبصر والفؤاد، يقول الله عز وجل:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء 36]، وشعور الفرد بهذه المسؤولية يقوده إلى العمل دون كلل أو ملل، فالمسؤولية تعني تحمل التكاليف وأداء الأمانة وكسب الخير وأداء المعروف، وهي – وإن كانت معاني فردية – فهي ترجع على الأمة جميعها بالخير والبركة.
والمعروف أن المسلم مكلف أن يجتهد في هذه الحياة الدنيا، كل على قدر وسعه ومسؤوليته وعلمه وميدان عمله. وقد وضع الله سبحانه وتعالى الميزان الحق الذي يضبط الأفراد والمجتمعات ويحقق الخير والعدل ويبني الحضارات. هذا المنهج الرباني الذي يعلم المرء كيف يختار. فالميزان الذي يحتكم إليه المؤمن هو الأسلوب الذي يضبط به الهوى والمصالح، وهو مجموعة قواعد ربانية لا بد من تعلمها والتدرب على ممارستها من خلال التربية الإيمانية (النحوي، 2000).
فالإسلام قدَّم للبشرية أعظم القواعد في التربية والبناء، وتعهد الإنسان من قبل ولادته وبعد ولادته وحتى وفاته، فهي تربية مستمرة من المهد إلى اللحد، تمتد لتشمل جميع المؤسسات التربوية، ابتداءاً من الأسرة وحتى المسجد والمدرسة والإعلام والمجتمع. والغاية العظمى التي بُعث من أجلها رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين هي تعليم الناس الفضائل والأخلاق، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق» (البخاري في الأدب المفرد، حديث 273، صححه الألباني).
والإيمان هو القوة العاصمة عن الرذائل والمحققة للفضائل، فالإيمان القوي يولد الخُلُق القوي حتماً، وأن انهيار الأخلاق مرده إلى ضعف الإيمان أو فقدانه (الغزالي، 1994)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء والإيمان قرناء جميعاً، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» (البخاري في الأدب المفرد حديث 1313، صححه الألباني).
والجدير بالذكر أن مصادر المسؤولية الأخلاقية في الفلسفة تتلخص فيما يلي: (العجمي، 2016).
1- الضمير أو الوجدان أو الحس الأخلاقي: تختلف المسميات والمعنى واحد، وهو قوة حدسية طبيعية تقوى في المِران وتضعف بالإهمال، وهي التي تحكم أهواء الإنسان ورغباته ودوافعه تحقيقاً للتوافق بين مصلحة الفرد ومصلحة الغير. يقول جان جاك روسو أن "هناك في قرارة النفوس مبدأ عدالة وفضيلة فطري بموجبه – وعلى الرغم من حكمنا الخاص – نحكم على أفعالنا وعلى أفعال الغير بأنها حسنة أو سيئة، هذا المبدأ هو الذي أسميه الوجدان".
2- العقل: فيرى سقراط أن بسيطرة العقل على الغرائز والدوافع تتحقق السعادة، ويرى أفلاطون أن العقل طريق الحكمة، والحكمة تتمثل في التحكم في قوى النفس، ويرى أرسطو أن فاعل الخير لا بد وأن يعلم ما يفعل ويكون مدركاً له. أما كانت فيوضح أن الفعل الأخلاقي ينشأ عن إرادة حرة تنتج عن تعقل واقتناع الذي يستجيب له الإنسان بدوره بالإلزام الخلقي. وهنا فقد أعلى كانت من قيمة العقل واحترام الواجب وأكد على النية واعتبر الإرادة الخيرية مستندة إلى فطرة إلهية.
3- المجتمع: يختلف علماء الإجتماع مع نظرائهم من الفلاسفة في مصدر المسؤولية والإلزام الأخلاقي حيث يرونه خارجياً بالدرجة الأولى كما أكد دوركايم، حيث يرى أن القيمة الخلقية جمعية وليست فردية وأن المجتمع لديه السلطة الروحية التي تتحكم في أفعال الناس الأخلاقية ويسميها بأخلاق الضغط.
أما مصادر المسؤولية الأخلاقية في الإسلام فهي تقوم على النص أولاً (أي الوحي) ثم العقل والوجدان ثانياً. لذا فإن الأفعال الأخلاقية في الإسلام تقوم على "تربية الوجدان الذي ينفعل بما يفهمه العقل من النص. وكأن النص هو حجر الزاوية يبدأ العقل منه ويحتكم إليه" (العجمي، 2016).
ويبين ناصر (2016) أن ضمير الإنسان وإيمانه بمثله الأعلى هو مصدر الإلتزام بالمسؤولية الأخلاقية، والتي تكون مستنبطة من الإيمان بالله والرسالات السماوية وما جاء بها من أخلاقيات، والمبادئ الأخلاقية الإنسانية عامة، ومميزات المسؤولية الأخلاقية قائمة على علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبالناس.
والمتتبع لمنهاج الله المتمثل في القرآن والسنة يرى أنه جاء ليحقق التربية النموذجية في واقع الإنسان، والتربية بحد ذاتها بعناصرها وتفصيلاتها ومناهجها تنمو وتتطور وتتجدد مع الواقع المتجدد، إلا أن الأسس الإيمانية التي تعتمد عليها ثابتة لا تتغير. ففي الفطرة الإنسانية قوى متعددة كالإيمان والعقل والعاطفة والغرائز، تتفاعل مع بعضها البعض مكونة شخصية الإنسان. لكن يبرز دور التربية الإيمانية في الفطرة الإنسانية كدور الينبوع الصافي في البستان يروي جميع غراسه وأشجاره رياً متوازناً، حتى تؤدي كل قوة من هذه القوى دورها المتوازن الذي خلقت من أجله، والنية الخالصة الصادقة لله هي التي تفتح هذا النبع الصافي وتوجهه. (النحوي، 2000).
إن ضعف الإيمان يعني ضعف الفطرة الإنسانية واستسلامها للغرائز والشهوات دون رادع أو قيد، وبالتالي تفسد الأخلاق. وبذلك يكون الإيمان هو المغذي الرئيسي للفطرة السليمة والأخلاق الحميدة. والإيمان هو الذي يسير طاقتي الفكر والعاطفة لتعملا معاً عمل الكوابح المنظمة لسائر القوى، محققة التوازن المنشود في شخصية الإنسان وأخلاقه وأفعاله. يقول الله تعالى في محكم آياته: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [الشمس 7 - 10].
ويؤكد علماء النفس أنه لن يتسنى لنا الحصول على شخصية ناجحة أو خلق قويم عن طريق التأمل الباطني الصرف، بل لا بد من تدريب النفس وتهذيبها وحكمها والسيطرة عليها. وحيث أن عاملا الخير والشر تنازع الإنسان في هذه الحياة فإنه لا بد وأن ينساق إلى أحدهما بدافع داخلي أو مؤثر خارجي. والإيمان من أهم أهدافه وقاية الإنسان من نزعات الشر وترغيبه في الاستقامة والصلاح، يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف: 13] (طبارة، 1988). لذا وجب على الآباء تربية أبنائهم التربية السليمة القائمة على أركان الإيمان وآداب الإسلام، فهم بناة المستقبل وأمل الأمة.
________________________________
المراجع:
• البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم (د. ت)، الأدب المفرد، مع تخريجات الألباني، ناصر الدين، دار الصديق.
• طبارة، عفيف عبد الفتاح (1988)، روح الدين الإسلامي (ط27)، بيروت: دار العلم للملايين.
• العجمي، أبو اليزيد أبو زيد (2016)، الأخلاق بين العقل والنقل، القاهرة: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة.
• الغزالي، محمد (1994)، خلق المسلم (ط5)، الإسكندرية: دار الدعوة للتشر والتوزيع.
• ناصر، إبراهيم (2016)، التربية الأخلاقية، ط2، عمان: دار وائل للنشر والتوزيع.
• النحوي، عدنان علي رضا (2000)، التربية في الإسلام: النظرية والمنهج، الرياض: دار النحوي للنشر والتوزيع.
• النووي (1986)، رياض الصالحين (ط3)، تحقيق الألباني، محمد ناصر الدين، بيروت: المكتب الإسلامي.
_______________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق