من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معًا فعليه بالعلم.
إن العلم نور به يرى العبد حقائق الأمور، فيُهدى من الظلمات إلى النور، ولأن العلم من أهم الخطوات في طريق السير إلى الله، فمن لم يصحبها من أول قدم يضعها في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليها، فسلوكه على غير الطريق.
وحسبُك أنه طريق الجنة، فـ " «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة..»؛ (رواه مسلم).
ماذا نعلم أحبتي في الله عن الله ورسوله؟ هل نعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته وصيامه، وزكاته ومعاملاته؟ هل نعلم أحكام الحج ومسائل البيوع والشراء؟ هل نعلم أحكام الزواج والطلاق؟
ماذا نعلم عن معاني أسماء الله الحسنى؟ ماذا نعلم عن القرآن ومراميه وآياته ومعانيه؟ إذًا لا بد أن نأخذ القرار الصواب بمجاهدة النفس على التعلُّم عن الله ورسوله، فبالعلم يعبد المسلم ربه على بصيرة، وبالعلم تتهذب الأخلاق، ويسير العبد إلى ربه سيرًا جميلًا.
ومن المؤسف أن بعض الناس يعرف طريق الحق، ويسلك سبيل الرشاد، ويجهل ما لا يسع المسلم جهله، وهو ما يسمى: "فروض الأعيان".
فإن قلت: أنا مشغول، قلتُ: هل شغلك إلا الدنيا؟ نروح ونأتي لحاجاتنا، وحاجة من عاش لا تنقضي:
تَموتُ مع المرءِ حاجاتُه ♦♦♦ ويَمنعه الموتُ ما يَشتهي
فإن قلت: أنا مقصر، قلت لك: ومَن منا قد سلِم من التقصير، ولكن إلى متى سيستمر هذا التقصير؟ وهل ستَلقى به الله؟ إذًا بادر بملازمة دروس العلماء، وحضور مجالس طلاب العلم الموثوق في علمهم وعملهم.
فإن قلت: الوقت ضيق، والشغل يرهقني، وعندي زوجة وعيال، قلت لك: أنت لا تريد:
نــعيـبُ زمـانـنـا والعـيـبُ فينا *** ومـا لزمـاننـا عيبٌ سوانا
وقـد نَهجـو الزمـانَ بغير عيبٍ *** ولو نطَق الزمانُ لنا هَجانا
قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9]، قال تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد: 19].
وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين»؛ رواه الشيخان.
والفقه في الدين هو أن نعقل ونفهم من كتاب الله وسنة رسوله، حكم ما يعرض لنا من مشكلات في أحكام وعبادات ومعاملات، وما يعرض علينا من فتن؛ حتى نتجنبها ونأخذ طريق النجاة؛ قال عليّ رضي الله عنه: "الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهَمَجٌ رِعاع أتباع كل ناعقٍ، يميلون مع كل ريح، لم يستضيؤوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، العلم خير من المال؛ العلم يحرسك وأنت تحرس المال، ومحبة العلم دينٌ يُدان لله به"[1].
اعتناء السلف بتحصيل العلم ومجاهدتهم أنفسَهم على ذلك:
قيل للشعبي: من أين لك هذا العلم؟ قال: بنفي الاعتماد، والسير في البلاد، وصبر كصبر الحمار، وبكور كبكور الغراب[2].
انظروا أيها الأحبة، ما أعظم هِمتهم! وما أشد شوقهم! طافوا الدنيا لتحصيل العلم، يوم لم يكن هناك طائرة ولا قطار ولا سيارة ولا باخرة، فأين شباب الأمة اليوم من هذه الهمم؟!
عبدالرحمن بن القاسم: أحد تلاميذ مالك والليث، بل هو تلميذ مالك المبرَّز، قال: كنت آتي مالكًا بغلس، فأسأله عن مسألتين أو ثلاثة، وكنت أجد منه في ذلك الوقت انشراح صدر، فكنت آتي كل سحر، فتوسَّدت مرة عتبته، فغلبتني عيني فنمتُ، وخرج مالك إلى المسجد ولم أشعر به، فركضتني جارية سوداء له برِجلها، وقالت لي: إن مولاك قد خرج ليس يغفل كما تغفل له اليوم، تسع وأربعون سنة قلَّما صلَّى الصبح إلا بوضوء العشاء[3].
فيا إخوتاه، جاهدوا أنفسكم وتنافسوا إلى طلب المعالي، وتسابقوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، واختاروا لأنفسكم طريقًا موصلًا إلى الجنة!
فمن منكم ينتدب نفسه لهذه المهمة التي قال فيها بعض السلف:
من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معًا فعليه بالعلم.
[1] إيقاظ أولي الهمم العالية؛ عبدالعزيز السلمان ص145.
[2] سير أعلام النبلاء؛ للذهبي ج4 ص30.
[3] موسوعة البحوث والمقالات العلمية؛ علي نايف الشحود ص4.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق