عندما يستقيم الشاب ويتقرب إلى الله بالطاعات ويحاول أن يتعلم ويطلب العلم الشرعي إما عن طريق التعليم النظامي أو عن طريق القراءة على الشيوخ في المساجد وغيرها، وما تتميز به كل طريقة عن الأخرى.
عندما يستقيم الشاب ويتقرب إلى الله بالطاعات ويحاول أن يتعلم ويطلب العلم الشرعي إما عن طريق التعليم النظامي أو عن طريق القراءة على الشيوخ في المساجد وغيرها، وما تتميز به كل طريقة عن الأخرى.
ومع وجود هذه التقنيات الحديثة من أجهزة الهاتف الذكية، ومتابعة مواقع التواصل من خلالها، وانشغال طالب العلم عن الطلب وانغماسه في هذه المواقع بالنقاشات والمناظرات مع الفرق والطوائف والتيارات الفكرية الأخرى، وتأثير هذه الحالة على طالب العلم وخاصة إن كان في مقتبل العمر وبداية الطلب، فغالب هذه النقاشات لا تسمن ولا تغني من جوع بقدر ما توغر الصدور وتزيد في البغضاء بين النفوس، مع إضاعة الكثير من الوقت في هذا الأمر، بالإضافة إلى الانشغال بمتابعة الأحداث والأخبار العالمية وصولاُ للمنحدر السيء والقاع الرديء بمتابعة المشاهير في مواقع التواصل وما يعرضون من تفاهات الأمور وسخافة القول..
من هنا فإنه ينبغي على طالب العلم التمسك بزمام الأمور والحرص على الوقت والاجتهاد في الطلب، ومن أفضل السُبل في ذلك هو ملازمة العلماء، وهي في أن يتخذ الطالب شيخاً أو عالماً يلازمه يدرس على يديه بعض الفنون في العلم الشرعي ويكون مرجعاً له في المشورة والسؤال عما يدور حول الطالب من أحداث، وما ينطوي على هذه الطريقة من فوائد ولنا في قصة الصحابي أبي هريرة أكبر فائدة : روى الشيخانِ عن الأعرج، قال: سمعتُ أبا هريرة يقولُ: (إنكم تزعمون أن أبا هريرة يُكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واللهُ الموعد، كنتُ رجلًا مسكينًا، أخدُمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على مِلْءِ بطني، وكان المهاجرون يَشغَلهم الصَّفْقُ بالأسواق، وكانت الأنصار يَشغَلهم القيام على أموالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن يبسط ثوبه، فلن ينسى شيئًا سمعه مني»، فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه، ثم ضممتُه إليَّ، فما نسيت شيئًا سمعته منه)[1] فملازمة أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم نال هذه البركة وهي حفظ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وروايته، وكذلك الثمرة في ملازمة العلماء وأهل الصلاح فيما روى ابن عباس عن نفسه قال رضي الله عنه: ((لَمَّا تُوُفِّيَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قلت لِرَجُلٍ من الأَنْصَارِ: يا فُلَانُ، هَلُمَّ فَلْنَسْأَلْ أَصْحَابَ النبي صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُمْ الْيَوْمَ كَثِيرٌ، فقال: واعجبا لك يا بن عَبَّاسٍ! أَتَرَى الناس يَحْتَاجُونَ إِلَيْكَ وفي الناس من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم من تَرَى؟ فَتَرَكَ ذلك وَأَقْبَلْتُ على الْمَسْأَلَةِ، فَإِنْ كان لَيَبْلُغُنِي الْحَدِيثُ عن الرَّجُلِ فَآتِيهِ وهو قَائِلٌ فَأَتَوَسَّدُ رِدَائِي على بَابِهِ فَتَسْفِي الرِّيحُ على وَجْهِي التُّرَابَ فَيَخْرُجُ فَيَرَانِي فيقول: يا بن عَمِّ رسول اللَّهِ ما جاء بِكَ؟ ألا أَرْسَلْتَ إلي فَآتِيَكَ؟ فَأَقُولُ: أنا أَحَقُّ أن آتِيَكَ، فأسأله عن الحديث قال: فَبَقِيَ الرَّجُلُ حتى رَآنِي وقد اجْتَمَعَ الناس عَلَيَّ فقال: كان هذا الْفَتَى أَعْقَلَ مِنِّي))[2] فللعلماء النفع العام للأمة والنفع الخاص الذي يستفيد منه طالب العلم قال الشاعر:
فالـعالمون العـاملـون بعـلمــم *** باقون ما بقيت هناك سماءُ
لله طـوعـا أوقفــوا أبـدانـهـم *** ولِنشر ديــن الله هـم أُمنـاء
فهُمُ المصابيح التي نُبصر بها *** إن داهمـتـنـا ليلة ظلمـــــاءُ
وهم الغيـاث لنـا بكـل مُلِـمّـةٍ *** إذ للأئِمة هُم لهم وكــــــلاءُ
إن لم تكونوا منهمُ والوهُــم *** ولهم أجيبوا أيُها العقـــــلاءُ [3]
ومن فائدة ملازمة العلماء إضافة كونهم مرجعا للعلم والفتيا والحكمة في معرفة مآلات الأمور والأحداث فيستفاد من سمتهم وخُلُقهم والملازمة لهم أفضل سبيل لذلك.. قيل إن مالك بن أنس كان من أعقل أهل زمانه، وكان يقال: إنه صار إليه عقول من جالسهم من التابعين، فجالسه يحيى بن يحيى النيسابوري، فأخذ من عقله وسمته، حتى لم يكن بخراسان مثله، فكان يقال: هذا عقل مالك وسمته. ثم جالس يحيى محمدُ بن نصر سنين، حتى أخذ من سمته وعقله، فلم ير بعد يحيى من فقهاء خراسان أعقل منه. ثم إن أبا علي الثقفي جالس محمد بن نصر أربع سنين، فلم يكن بعده أعقل منه "[4] فتأمل أخي الكريم كيفية تأثير ملازمة الطالب لشيخه في اتساب سمته وخُلُقه، ما يدور في هذا الباب كثير ومنشور في كتب تراثنا الإسلامي فالبدار البدار إلى القيام بذلك على وجه السرعة وأتم الحرص وقضاء الوقت فيما ينفعك في الدارين.
وفق الله شبابنا إلى ما يحب ويرضى
كتبه د. نايف بن ناصر المنصور بتاريخ 3 /8 /1441هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق