ويختتم الإحسان أحد أبرز مشاهده في رأفة وعفو واستغفار يعقوب لبنيه مع ما فعلوه: " {قال لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ... {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ."
يغلب على السورة شعور الإحسان، وهو مراقبة يوسف وتقواه وإعراضه عن الشهوات، والعفو عن الظالمين، وجاء الجزاء على هذا الإحسان، متمثلا في الرؤى وتحقق تأويلها، والقوة بعد الضعف، والسيادة بعد الاسترقاق، والغنى بعد الفقر، والحرية بعد السجن، عبر مراحل ومشاهد السورة المختلفة!
فالسورة تبدأ بإحسان يوسف لأبيه، إذ يحكي له رؤياه. وفي ذلك من البر والإحسان إلى الوالدين ما لا يخفى.
ثم يظهر إحسان يعقوب لبنيه، إذ يخشى على يوسف من حسد إخوته، ويخشى على بقية بنيه من حسدهم له. كما يظهر في صبره الجميل عليهم وقوله: " {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} "
كما يظهر إحسان الله تعالى ليوسف في قوله تعالى: " {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ} ..."
ويظهر إحسان العزيز له عندما قال "... {لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً} "
وتصرح السورة بأن يوسف من المحسنين: "... {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} "
ويظهر الإحسان في عدل الشاهد حين أثبت براءة يوسف، وعندما "... {رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} "
كما تتجلى إحدى صور الإحسان في تقوى يوسف وعفته عن امرأة العزيز حين راودته عن نفسه: " {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} "
ويتكرر التصريح بالإحسان حينما قال الفتيان: "... {إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} " كما يظهر في قول أحد الفتيين: " {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ} ..." وفي قول امرأة العزيز: "... {وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ} "
كما يتكرر التصريح بالإحسان ويتجلى الجزاء في قوله: " {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} "
ويظهر الإحسان في مشهد آخر، حين جهز يوسف إخوته بجهازهم، وسؤاله التقريري لهم: "... {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} "
ويظهر إحسان يعقوب في مشهد آخر، عندما خاف على بنيه من الحسد، مع ما اقترفوه، حيث يقول: " {يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} ...."
كما يتكرر إحسان يوسف، حين "... {آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} "
ويظهر الإحسان في عدل يوسف: " {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} "
ويتكرر التصريح بالإحسان على لسان إخوة يوسف، حين " {قالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ} "
ويتجلى الإحسان في موقف يعقوب حينما اتهمه بنوه بالجنون وأنه على وشك الموت، إذ يقول لهم: "... { إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. يا بني} ...."
ويظهر الإحسان في قوته وعنفوانه، عندما فاجأ يوسف إخوته، وألقى إليهم سؤاله قذيفة مدوية في وجوههم، حتى يلقنهم الدرس الذي لن ينسوه طول حياتهم، حيث يقول: "... {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ} "
حتى إن سؤاله لجلجهم وعقد لسانهم فجمعوا بين متضادين: السؤال والتأكيد: "... {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ} "
ويتكرر النص على الإحسان وجزائه بعد موقف الاعتراف: "... {أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} "
ويتجلى الإحسان في المشهد الختامي من السورة، في عفو يوسف الجميل عليه السلام: " {قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} "
ويختتم الإحسان أحد أبرز مشاهده في رأفة وعفو واستغفار يعقوب لبنيه مع ما فعلوه: " {قال لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ... {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ."
ويتجلى إحسان وبر يوسف بأبويه، وتقريره أن ما حدث كان نعمة وإحسانا من الله، وأنه كان مجرد نزغ من الشيطان بينه وبين إخوته: "... {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} ..."
وتختم السورة آياتها بالعبر والدروس المزلزلة التي تظهر جزاء الإحسان والتقوى، ولا يخطئها إلا من أغلق قلبه وسمعه وبصره دونها، إذ لو سمعتها الجبال، لوعتها!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق