سلامة الصدر من الخصال الحميدة المأمور بها شرعًا، ونعني بها: سلامته من أمراض الحقد والحسد والكراهية والبغضاء..
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فإن سلامة الصدر من الخصال الحميدة المأمور بها شرعًا، ونعني بها: سلامته من أمراض الحقد والحسد والكراهية والبغضاء، فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: « كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ» ، قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ، وَلَا حَسَدَ» [1].
وقد وصف الله تعالى أهل الجنة، فقال: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ} [الأعراف: 43]؛ أي وأذهبنا ما في قلوبهم من حقد وضغن، مما يكون عادة بين أهل الدنيا؛ لأن ذلك ينغص على أهل الجنة نعيمهم[2].
أحبتي في الله، إن سلامة الصدر من ثمراتها بناء مجتمع متماسك، تسود فيه الألفة والمحبة والإخاء والتعاون والتكافل، فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» [3].
وسلامة الصدر من ثمراتها أيضًا أنها تزكي الأعمال، وتكون سببًا في قبولها، ففي الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» [4].
أحبتي في الله، إن شهر مضان، هو شهر المحبة والتآخي، وشهر الصلح والتأليف بين القلوب، فعنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» [5].
ومن هنا حثَّت الشريعة على الصلح والإصلاح بين المتخاصمين، فقد قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1][6]، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن السعي في الإصلاح بين المتخاصمين تجارة رابحة، وقربة عظيمة، فعَنْ أنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَبِي أَيُّوبَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى تِجَارَةٍ» قَالَ: بَلَى، قَالَ: «صِلْ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا تَفَاسَدُوا، وَقَرِّبْ بَيْنَهُمْ إِذَا تَبَاعَدُوا» [7].
فاللهم طهِّر قلوبنا، وجمِّلها بالعفو والصفح والإحسان ياذا الجلال والإكرام، والحمد لله رب العالمين.
[1] سنن ابن ماجه، باب الورع والتقوى.
[2] تفسير المراغي، ج3، ص153.
[3] صحيح مسلم، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم.
[4] صحيح مسلم » كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الشحناء والتهاجر.
[5] صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب،باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي.
[6] سنن الترمذي،كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم برقم:2510.
[7] كشف الأستار، كِتَابُ الأَدَبِ،بَابُ الإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وحسَّنه الألباني لغيره.