يدركها أي بشر فهو تعظيم وتخويف؛ لان سفولهم ابعد من ان يحده تصور البشر لها
وادراكه لكنهها وفي تحديد الموضع تأكيد لمسألة لم يحسبوا حسابها، وهي ان تكون
أعمالهم قد أحصيت في كتاب صغيرها وكبيرها، بل كتاب له علامة ((كتاب معلم يعلم
من رآه ان لا خير فيه)) (¬2) ومعنى ((هذه الحقيقة انهم في غاية الخسارة لانه يقال
لكل دون انحط، صار تراباً ولصق بالارض ثم زاد في هوله بالاخبار انه اهل لأن
يسأل عنه ويضرب الى العالم به ... (ما ادراك ما سجين): أي جعلك دارياً وإن اجتهدت
في ذلك ما سجين: أي انه بحيث لا تحتمل وصفه العقول وهو مع ذلك اسفل السافلين،
ويشهده المبعدون. ولما اتم ما اراد من وصفه اعرض عن بيانه إشارة إلى انه من
العظمة بحيث انه يكل عنه الوصف)) (¬3)، ويقابل هذا الوصف لمنزلة الفجار وصف
آخر لمنزلة الابرار (كلا ان كتاب الابرار لفي عليين وما ادراك ما عليون كتاب مرقوم
يشهده المقربون .. )، فلما كان المقصود من وضع كتاب الفجار في اسفل السافلين
وفي اضيق المواضع إذلال وتحقير شأنهم، كان المقصود من ((وضع كتاب الابرار
في اعلى عليين، وشهادة الملائكة لهم بذلك إجلالاً وتعظيماً لشأنهم)) (¬4)، فهو علو
اعتباري: أي رفعه في مراتب الشرف والفضل، فـ (كلا) التي فصلت بين المكانتين
تدل على ان ((ليس الامر كما يقولون ولا كما ظنوا بل كتابهم في سجين، وكتاب
المؤمنين في عليين)) (¬5).
قال الفراء عليون هو شي فوق شيء (¬6) ((معناه علو في علو مضاعف كأنه
لا غاية له)) (¬7)، ويمكن ان نوضح هذا التعامل في الخطاطة الاتية:
¬__________
(¬1) الجامع لاحكام القرآن: 19/ 257 - 258.
(¬2) روح المعاني:30/ 320.
(¬3) نظم الدرر:21/ 319.
(¬4) التفسير الكبير: 31/ 97.
(¬5) الجامع لاحكام القرآن: 19/ 262.
(¬6) معاني القرآن: 3/ 247.
(¬7) الجامع لاحكام القرآن: 19/ 262.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق