ان طبيعة المنهج الالهي تكره الظلم والانحراف الاخلاقي في التعامل، فقد
تصدت هذه السورة لمسألة التطفيف في الكيل والميزان، والمعاملات بصورة عامة
فقد كره هذه الحالة من الظلم والانحراف الاخلاقي في التعامل وارسل هذه الصيحة
المدوية بالحرب والويل على المطففين وهم اصحاب السلطان المهيمن لا على ارواح
الناس ومشاعرهم عن طريق العقيدة الوثنية فحسب، بل كذلك على اقتصادياتهم وشؤون معاشهم (¬1)، وفي هذه الاجواء يرد تركيب (ما ادراك ما) ليستوعب البعد الحقيقي لمنهاج
التعامل فحضوره في التركيبين جاء ليمد النص بدلالته المركزية (التهويل والتعظيم)؛
فنجد النص يوضح مكانة هؤلاء المتجاوزين الحد في المعصية بدلالة وصفهم
بـ (الفجار)؛ لانهم بفعلهم هذا ينكرون وجود البعث والحساب فضلاً عن جرمهم
السابق، فيشخص لنا فريقين الاول: الفجار فهم في غاية الخسارة، وذلك يقتضيه قوله:
(ان كتاب الفجار لفي سجين)؛ ((فهو وصف من السجن لقب به الكتاب لانه سبب الحبس)) (¬2)، ذلك ان دلالة (في) على الاحاطة والظرف بينت ان كتاب اعمال الفجار مودعة في
مكان اسمه ((سجين او ان وصفه (سجين) يؤذن بتحقيره: أي تحقير ما احتوى عليه من اعمالهم المكتوبة فيه)) (¬3)، أو أن يكون مجازاً عن جعل الاعمال المحصاة فيه في
سجين، وذلك كناية رمزية عن كون الفجار في سجين (¬4)، ولما كان السياق يعتمد على
بنية (ما ادراك) الدالة على كون الامر اكبر من الادراك، واضخم من ان يحاط به؛ فإنه
يرشح كون هذا الوصف يحمل أثراً معنوياً يشير الى ان اللَّه تعالى يرد اعمالهم التي
ظنوا انها تنفعهم الى ادنى المنازل، فدلالة الحبس تلبس عليهم دليلاً يبين خساسة منزلتهم ويحمل الاعراض عنهم والابعاد لهم محل الزجر والهوان، فـ (سجين) موضع في
¬__________
(¬1) =: في ظلال القرآن: 6/ 3857.
(¬2) روح المعاني:30/ 320.
(¬3) التحرير والتنوير:30/ 195.
(¬4) =: م. ن: 30/ 195.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق