ثانياً: المجال التأويلي لـ (ما ادراك، وما يدريك):
لقد شكل التركيب (ما ادراك ما) محوراً رئيساً في تحريك المعنى من خلال العلاقات الممتدة بينه وبين الحقول الدلالية التي امتد وجوده فيها، فصور لنا ركيزة بنائية في تكوين النص؛ لكونه يقيم محاورة مع المخاطب بغية إثارة انتباهه، فضلاً عن كونه يفتح له ابواباً لرؤى جديدة تعرفه مكانته في هذا الكون وتبين ضآلته أمام القدرة الهائلة التي أوجدت أموراً تحيط به، أو تخصه ويقصر إدراكه عنها، وبالاعتماد على المرجعية المعجمية للفظ
(درى)؛ لكونها الكلمة المركزية. نلحظ ان ((الدراية تكون أخص من العلم، وقيل ان
درى يكون فيما سبقه شك وما علمته بضرب من الحيلة ودرى الصيد يدريه درياً ختله)) (¬1)؛ فهو اذن في اصله اللغوي يستدعي استخدام متاحات عقلية اكثر من غيره؛ لانه
((المعرفة المدركة بضرب من الختل، يقال دريته ودريت به درية نحو: فطنت)) (¬2)، وذهبت الدكتورة عائشة عبد الرحمن الى ان ((الدراية أخص من المعرفة والخاصة
البيانية لهذا الاسلوب استعماله فيما يجاوز دراية المسؤول، إما لجلال الامر وعظمته
وإما لكونه من الغيب المتعلق بالمصير في اليوم الاخر، يتجاوز دراية البشر ويعييهم
إدراكه وتمثله)) (¬3). وقد توارد استخدامها في النص القرآني في ثلاثة عشر موضعاً
بصيغة الفعل الماضي، وما الاستفهامية (وما ادراك ما) ((أي أي شيء ادراك)) (¬4)؛
فنلحظ الترطيب الجملي الذي قوامه (ما) بوصفها الوحدة الاستفهامية التي تفتح للنص
افقه الفكري، وقد كان تكرار هذه البنية ضمن النصوص جميعاً مدعاة لملاحقة هذا
الحضور بغية تحديد انماطها وتحولاتها، والمخاطب في هذه البنى هو مستمع ينتمي
إلى هذا العالم فإن (النص) لا يقصر الخطاب على مخاطب، بل يمتد ليشمل كل فرد
يمكنه تفرده من الدخول في دائرة السامعين، ومن المفسرين من ذهب الى ان المخاطب
بها هو المتلقي الأول الرسول (- صلى الله عليه وسلم -) ومنه إلى كل سامع، وبمقاربة إحصائية لانماط
حضور هذه البنى يقف البحث على مجموعة من المقاربات والاراء لتحولات هذه البنى
دلالياً وخطابياً، ويمكن ان تجد الدلالات التي صيرتها القوى التعبيرية بؤرتها تهويل الأمر،
¬__________
(¬1) تاج العروس:10/ 136، و=: لسان العرب: 14/ 254، مادة (دري).
(¬2) المفردات / 168.
(¬3) التفسير البياني للقرآن: 2/ 178.
(¬4) جامع البيان: 29/ 47، الجامع لاحكام القرآن: 18/ 257.
Post Top Ad
إعلانك هنا
الأربعاء، 17 فبراير 2021
الرئيسية
التفسير البياني للتراكيب القرآنية
34 التفسير البياني للتراكيب القرآنية ذوات الدلالات الاحتمالية الصفحة
34 التفسير البياني للتراكيب القرآنية ذوات الدلالات الاحتمالية الصفحة
التصنيف:
# التفسير البياني للتراكيب القرآنية
عن Qurankariim
التفسير البياني للتراكيب القرآنية
Marcadores:
التفسير البياني للتراكيب القرآنية
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
Post Top Ad
أعلن هنا
عن المحرر
مرحبا! أنا أسمي محمد أعمل هنا في مدونتي وأشارك معكم كل جديد على الانترنت لتعم الفائدة على الجميع وإثراء المحتوى العربي، يسرني دائمًا تلقي ملاحظاتكم وإستفساراتكم من خلال نموذج الأتصال :)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق