لن تراه ولكن انظر إلى البحر مد البصر وإلى السماء مد البصر وإلى الهواء بينهما مد البصر، بعضهم فوق بعض لا يذوب أحدهم في الآخر.. وسوف تراه..
1- أمي.. أين الله؟ لماذا لا أراه؟!
- في السماءِ مُستَوىٍ على عرشه، ليس كمثله شيء فلا تظن أنك قد تراه مثلما ترى أي شيء....
- لا تدركه الأبصار وهو يُدرِك الأبصار، يُطعِم ولا يُطعَم، يُجير ولا يُجار عليه.. إله الكون العظيم الكبير الواسع الظاهر الباطن..
- وَسِعَ كُرسيُّه -مَوضِعُ قدمِيه- السموات والأرض.. فكيف تراه؟
- حجابُه النور، لو كُشِفَت طبقاتُه لأحرَقَت سُبُحاتُ وجهِه كلَّ شيئ أدركَه بصرُه.. فكيف تراه؟
- لم يتحمل الجبلُ تجليه ﷻ له فسُوِيَ بالأرض فورًا.. فكيف تتحمل أنت رؤيتَه والله يقول {لَخَلْقُ السمواتِ والأرضِ أكبرُ من خَلقِ الناس}..؟
- انظر إلى عين الشمس وضيائها إن استطعتَ.. فكيف بنور وجهه الذي تُشرِق بهِ الأرضُ كافةً يومَ الفصلِ بين العباد؟
- أنت لن تراه في الدنيا فخلقُك فيها أضعف ُمن أن يتحمل جلال أنوار نور السموات والأرض..
- تراه في الجنة إن شاء الله حيث يخلقنا خَلقًا آخر، أضخم وأكبر وأقوى وأقدر وأكمل وأليق بالنعيم وأشد تحمُّلًا للذّته التي تُذهبُ العقل وتَدُكُّ الحواسَّ والبدنَ في الدنيا.. قد قال لك النبي ﷺ: «لن يرى أحد منكم ربَّه حتى يموت»
- لن تراه في الدنيا، فهو العزيزُ المجيدُ القُدوسُ ذو الكبرياء، لا يراه كل أحد.. أوَيتلذذ الفاجر برؤيته؟! أوَيتنعم العاصي برؤيته؟! أوَيتلذذ برؤيته كل ناعق؟! لا يراه رؤيةَ تلذذٍ وتنعُّمٍ إلا صفوةُ خَلقِه الأطهارُ المطهرون في جنة النعيم..
- ثم لو رأيناه في الدنيا، فكيف يكون اختبار ((الإيمان بالغيب)) اختبارًا حقيقيًا؟
ولكن أمي.. أريد أن أرى الله..!
لن تراه بُنَي.. ولكن.. انظر إلى السماء والأرض وما بث فيهما من دابة.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى الطير صافات في جو السماء ما يمسكهن إلا الرحمن.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى ماءٍ ينهمر فيحتضن التراب فينشق عن نباتٍ أخضر يتنفس حياةً من قلب الموات، بهجةً للناظرين وغِذاء للآكلين.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى صنوف رزقه المبثوث في الكون حولك مختلفا ألوانه.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن أطفيء أنوار غرفتك قبل الفجر وتأمل في ملكوت السموات وزينتها و تلألؤ النجمات وسط السواد وانحدار الشهب على صفحة الكون.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن تتبّع رحلةَ نحلةٍ في الفضاء بين الزهور تسلُك سبلَ ربها ذُلُلا في أمانه وطوع أمرِه.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى دقة خلق النملة وهي تحمل رزقها من بقايا طعامنا الهزيلة، فتأكل وتكبر وتتنفس وتشارك الكون تسبيحَه.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى سكرات الموتى حين لا يملكون لأنفسهم شيئا وأرواحهم تقبض من بين جنوبهم كَرهًا.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى فقيرٍ مسكين مُستلقٍ أسفل جِسرٍ في ليلةٍ مَطيرةٍ وقد استيقظ ليجدَ بجانبه طعامًا وشرابًا دافئًا قد ساقه الله إليه بيد أحد المارة.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى البحر مد البصر وإلى السماء مد البصر وإلى الهواء بينهما مد البصر، بعضهم فوق بعض لا يذوب أحدهم في الآخر.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى تساقُط أجفانُك بالنوم ثم استيقاظك وقد وجدتَّ كل الحياة من حولك كما هي لم تختل، قد صانها وسَيَّرها من لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن حين تمر بك نسمةُ هواء باردةٍ لطيفة أغمض عينيك وتنفسها بعمق حتى تُبلغَها كلَّ ذرة في كيانك ثم حاول أن لا تُخرجَها.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن ضع يمينَك على صدرِك وتحسَّس انتظامَ دَقِّ فؤادِك بين الضلوع بثبات.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن أغلق عينيك.. ثم افتحهما.. واستشعر الفرق بين النور والظلام والعمى والإبصار.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن تأمل كيف خلقَ ولا يزال يخلق كل هؤلاء الملايين من البشر من نفسٍ واحدة فقط.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى تعاقُب الليل والنهار والشمس والقمر بتناغُمٍ ودقة وانتظام كُل في فلكٍ يسبحون.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى أمنيةٍ تمُر بخاطرِك ثم تجدها تتحقق دون أن تنطقَ بحرف.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى إمهاله لك كل مرة تعصيه وتجحد نعمته وهو يعافيك ويحلُم عليك ويفرغ عليك نِعمَهُ وعافيتَه.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى ثباتِ دينه واستعصائه على أعدائه على مر العصور.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن سَلْ نفسك من يتولى شأن كائنات المحيطات والغابات وبواطن الأرض بينما الناسُ في أقصى الأرض بعيد عنها.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى سكون الريح بعد هبوبها بذرات التراب في يوم عاصف لا نقدر فيه على شيئ مما يطير في الهواء.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى ظلك الممتد تحت قدميك يسير معك أينما سرت، ويكبر ويصغر حسب حركة الشمس في اليوم بينما أنت لا تكبر معه ولا تصغر.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن حاول أن تحصي عدد نجوم الليل أو حبات الرمال أو قطرات الندى.. وسوف تراه.. حاول فقط إحصاءَهم.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر حولك كيف يُبدِيءُ الخلقَ ثم يُعيده، كيف يفلق الحب والنوى بالأخضر ثم يهيج فتراه مصُفرا ثم يكون حطاما... وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى نفسك حين تتجهز بالمنبه لصلاة الفجر ثم يتصدق عليك ربك بالنوم ولا يؤاخذُك ويأجرك بنيتك.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى جميع الخَلق حين يقولون "الله" عند فزعهم أو "الله" عند دهشتهم.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن تتبع ببصرك ورقةَ شجرٍ يحملها الهواء بوداعة على بُساطهِ فتدور معه حتى تختفي عن نظرك وسل نفسك أين مستقرها ومستودعها.. وسوف تراه..
لن تراه ولكن انظر إلى آثار رحمته ورزقِه ولطفِه وعدلِه وحِكمتِه وجمالِه وكمالِه وبديعِ صَنعَتِه وصبغتِه.. وسوف تراه..
اذكره قيامًا وقعودًا وعلى جنوبِك وتفكَّر في خلق السموات والأرض.. وسوف تراه..
مَرِّغْ جبهتَك في التراب واسجد واقترب.. وسوف تراه..
- ثُم قل حين ((تراه))...
لا إلا هو.. له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وله الأمر وله الخلق وله كل شيء.. وبيده الخير..
وسوف تراه..
بقلبِ المؤمنين وعلمِ اليقين في الدنيا...
وبعينَِ اليقين.. في الجنة..
بإذن الله...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق