القراءة عزلة ثقافية نحتاجها، وليست عزلة اجتماعية نخافها.
عندما يُمسِك أحدُنا كتابًا لقراءته، لا بد أن يعيشَ الكتاب ويتعمق في حروفه؛ ليتذوق معانيَها، وتنغرس ثمارها في أفكاره، ولا بد من أن يهيِّئ له المكان الذي يُساعده في التمعن الحقيقي، فحين تقرأ لتغذي عقلك ستشعر حقًّا أنك في عزلة، ولكن (ما هذه العزلة)؟
عزلةٌ تفصل تفكيرك عن بيئتك الحالية، وتُبعدك عن همك، عما يقلقك، تخلق لك عالمًا أكثر هدوءًا، وأكثر تأثيرًا عليك، ستنقل لك القراءةُ إحساسًا بالسعادة، بغضِّ النظر عما تقرؤه.
وباستزادتِك تشعر أنك بدأت تلقائيًّا تهرُب بهدوء عن توافهِ الحياة، وصِغار العقول، ستشعر حقًّا بأنك كبيرٌ أمام مَن ينتقصك ويحاول تعكير يومك، ستشعر بنضوج فكرك، ستحبُّ الصمت أكثر من الكلام، ستلغي مِن قائمة أصدقائك المحبطين منهم، ستحب الجلوس وحدك أكثر، وتريد أن تقرأ المزيد.
قد يعتبر البعض أنه يدخل ضمن إطار العزلة الاجتماعية، ولكني أراها عزلة ثقافية؛ فهي لا تجعلك تُغلق الأبواب على نفسك، وتصد الجميع، وتخسر الصديق والقريب، ولكنها تجعلك في مرحلة الانتقاء الحقيقي لمَن تخالط، ومع من تتكلم، ولمن تستمع، أشبه بمرحلة التنقيح، تُخرج كل مَن يؤثِّر على نمو ونضوج عقلك، ستُدرِك قيمة وقتك، وستعرف كيف تستغله وبمَ تشغَله!
نعم، كل ذلك تفعله القراءة، بل وأكثر!
فعزلةُ القراءة تلك تحشو خلايا عقلِك حكمةً دون أن تشعر بالصداع، وستُطوِّر قدراتك الفكرية دون أن تحتاج لدورات تدريبية، وعندما تكون الحياة مكتظة ومليئة بالأحداث المتسارعة، فنحن بحاجة ماسة لإثارة العزلة! القراءة عزلة ثقافية نحتاجها، وليست عزلة اجتماعية نخافها.
___________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق